رمضان والرخصة

عندما يتحصّل الشاب على رخصة سياقة، أو يتحصّل تاجر على رخصة استيراد وتصدير، أو يتحصّل أي شخص على رخصة ممارسة نشاط معيّن فذلك يعني أنّه مؤهّل للقيام بذلك النشاط، فالرخصة بهذا المعنى امتياز مبنيّ على كفاءة و مؤسّس على قدرة. أمّا في العبادات والصوم على الخصوص فالرخصة إِذْنٌ مؤسّس على العجز وغياب القدرة، فهي ليست رخصة فعل بل رخصة ترك للفعل المطلوب شرعا والانتقال إلى فعل آخر يباح لأصحاب الأعذار دون غيرهم.

لا نقصد هنا أولئك الذين يأخذون رخصة بالكفّ عن العمل في رمضان، أو الذين يمنحون أنفسهم رخصة يكفّون بها عن العمل الجاد وهم في حالة عمل بحيث يصير حضورهم في موطن الشغل مساويا لغيابهم عنه.

إنّما نقصد أصحاب الأعذار الذين أباح لهم الإسلام أن يفطروا ما دام عذرهم قائما كما قال تعالى ﴿ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ (سورة البقرة: الآية 185) فالإسلام دين يسر، ومن قواعده الشرعية "المشقّة تجلب التيسير" وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما خُيِّرَ بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما.

فالمريض مرضا مؤقتا والمسافر يفطران بشرط وجوب القضاء في أيّام أخرى، وكذلك الحائض والنفساء، والحامل، أما الأم المرضع فتفطر وتقضي مع إخراج فدية عن كل يوم مقدارها إطعام مسكين. أما الشيخ الكبير وأصحاب الأمراض المزمنة التي لا يرجى برؤها فلا قضاء عليهم لأنّهم عاجزون عنه، وإنّما تجب عليهم الفدية عن كل يوم إن كانوا قادرين عليها.

لا إشكال في هذا التيسير الذي شرعه الإسلام خاصة إذا كان العذر حقيقيا ليس فيه تخاذل مصطنع ولا خداع للنفس، لكن المشكلة أنّ بعض أصحاب الأعذار يشعرون وكأنّهم خارجون من خارطة رمضان، ويظنون أنّهم محرمون من بركاته وثوابه الجزيل، فهم يفطرون اضطرارا مع شعور داخلي بالنقص وكأنّهم مذنبون أو منبوذون.

كلاّ ! لا ينبغي لك أيها المسلم المبتلى بما أعجزك عن الصوم أن تضع نفسك هذا الموضع، فالله تعالى الذي شرع عزيمة الصوم لغيرك هو الذي شرع رخصة الإفطار لك. ولست أنت الذي منحت الرخصة لنفسك بل إنّ الذي أذن لك فيها هو ربّك الرحيم العليم بحالك، فهي هديته الجميلة الخاصة بك وبأمثالك وليس من الأدب رفض هدية الرحمان أو قبولها على مضض، بل اقبلها منه بحب وفرح، لأنّه تعالى ما منحها لك إلاّ لأنّه يحبّك ويحبّك لك الخير، واعلم أنّك تأخذ بأمر يحبّه الله تعالى لأنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم قال :"إنّ الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته" (رواه أحمد) وفي هذا التشبيه القائم على المقابلة بين الحب والكره إشارة إلى أنّ الله يكره ترك الرخصة لأنّه معصية، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم صرّح بهذا المعنى حيث قال "من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة" (رواه أحمد).

لهذا يجب عليك أن تتمتع برخصة الله حتى لا تكون آثما. وخذ بها معتقدا أنّك مأجور لأنك تفعل أمرا يحبّه الله، وكن واثقا من أنّ بركات رمضان تشملك كما تشمل غيرك، فلك أن تتصدّق كما يتصدّقون، وأن تقرأ القرآن وتحضر صلاة التراويح ولك في كل خير تفعله وعبادة تمارسها مثل أجر الصائمين بإذن الله.

ولكن، في المقابل احذر أن تتبجّح برخصتك، أو أن تتجاهر بها أمام الناس فمن الأدب أن لا يعلم بأمرك إلاّ من يعرفك من خاصتك. ومن المؤسف أنّ بعض الذين يباح لهم الفطر تجدهم يدخّنون في نهار رمضان أمام جمهور الصائمين، بل إنّ بعضهم يخالطون الذين يفطرون عمدا فيشاركونهم طعامهم وشرابهم بدعوى أنهم لا إثم عليهم. لكنهم يأثمون لأنّهم يهتكون حرمة الشهر، ويستخفّون بهيبته، ويشجعون الذين لا وجود لرمضان في معجم سلوكهم. ومثل هؤلاء المترخصين الذين خلعوا جلباب الحياء لا يحبّهم الله ولا علاقة لهم ببركة رمضان.

أيها المترخّصُ المعذور احرص أن تجعل عذرك سرّا بينك وبين ربّك، واسلك في رمضان سلوك الصائمين تكن بذلك من أهل رمضان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق